كتبت آية الحطاب من غزة أن كلمة «السلام» تلاحق الفلسطينيين في كل مكان: على الشاشات، وفي خطابات قادة العالم، وفي البيانات الدولية، لكنها تظل كلمة بلا أثر حقيقي على حياتهم. تؤكد الكاتبة أن الفلسطينيين، رغم كل الوعود، لم يعيشوا يومًا واحدًا من السلام الفعلي، وأن الواقع اليومي في غزة يثبت أن الحديث العالمي عن السلام لا يغيّر شيئًا من معاناة الناس المحاصرين.
في غزة، يقول العالم إن وقفًا لإطلاق النار بدأ في 10 أكتوبر، لكن السكان لم يشعروا به. تذكر آية الحطاب أن القوات الإسرائيلية قتلت منذ الإعلان عن الهدنة أكثر من 360 فلسطينيًا، بينهم نحو 70 طفلًا. تستمر أصوات الانفجارات، ويظل الخوف حاضرًا، ويصبح الخروج من المنازل مغامرة يومية. يعيش الناس، بحسب وصفها، داخل متاهة انتظار لا تنتهي: انتظار توقف المعاناة، وعودة الحياة، وقبل كل شيء توقف الموت.
تشير الكاتبة في مقالها المنشور في صحيفة الجارديان بوصفها المصدر الذي ينقل شهادتها، مؤكدة أن ما يُناقش في المؤتمرات الدولية لا ينعكس على حياة الناس على الأرض. بينما يتحدث قادة العالم عن «اليوم التالي» وخطط السلام، يغرق سكان غزة في المجهول، وسط خوف وارتباك خلّفتهما الحرب، ودون أي إحساس بالأمان أو الاستقرار.
حياة يومية بلا مقومات أساسية
تصف آية الحطاب واقع الحياة اليومية باعتباره صراعًا من أجل البقاء. تعيش عائلتها في شقة صغيرة غير ملائمة بعد فقدان المنزل، ويصعب الحصول على المياه أو السيولة النقدية في ظل تعطل أجهزة الصراف الآلي. تغيب الكهرباء، ويضعف الإنترنت، وتتحول الشوارع المدمرة إلى خطر دائم على المشاة والسائقين. لا يشعر الناس بأي استقرار، ويظل القلق هو الإطار العام للحياة.
تشاهد الكاتبة عائلات تعيش داخل بيوت مدمرة أو مهددة بالانهيار، لكنها لا تملك خيارًا آخر. تبحث هذه العائلات عن سقف يحميها، حتى لو كان مهددًا بالسقوط في أي لحظة. ومع حلول الشتاء، يجد كثيرون أنفسهم غارقين في المياه والطين داخل خيام مؤقتة، بعد أن دُمّرت بيوتهم وضاقت بهم سبل الحياة.
«الخط الأصفر» وحدود الخوف الجديدة
تتحدث الكاتبة عن «الخط الأصفر»، وهو حد غير مرئي فرضته إسرائيل على أطراف غزة بعد الاستيلاء على مزيد من الأراضي والمنازل. على الجانب الشرقي من هذا الخط، تُهدم البيوت يوميًا، ولا يستطيع الناس النوم بسبب شدة القصف ورائحة الدخان. تنتشر روايات عن إطلاق النار على الأطفال إذا اقتربوا من هذا الخط أو تجاوزوه، رغم أنه غير مرئي.
تزور آية الحطاب أقارب لها في غزة قرب هذا الخط، وتصف كيف يهتز المنزل باستمرار بفعل القصف المدفعي واستخدام روبوتات متفجرة أرضية قادرة على تدمير أحياء كاملة. يغلق السكان النوافذ أغلب الوقت خوفًا من الدخان، ويخشون أن تكون بعض الهجمات بأسلحة تحتوي على الفوسفور، ما يزيد الإحساس بالخطر الدائم.
انتظار السلام وحرمان البشر من أبسط الحقوق
تؤكد الكاتبة أن الفلسطينيين يحلمون بسلام وأمن يفترض أنهما حقان أساسيان، لكنهما يبدوان اليوم وكأنهما امتياز محرّم. تناقش دول بعيدة مصير غزة وكأن سكانها غير معنيين، بينما يتوق الناس هناك إلى أشياء بسيطة يعتبرها الآخرون بديهية: بيت آمن، لقاء الأحبة، ليالٍ بلا خوف، وأحلام يمكن أن تتحقق.
تشير آية الحطاب إلى تجربتها الشخصية، فتقول إنها شعرت بالأمل عند إعلان وقف إطلاق النار في أكتوبر، لكنها مع نهاية ديسمبر لا ترى أي تغيير حقيقي. تنتظر لقاء خطيبها الذي لم تره منذ عامين بسبب خطورة التنقل داخل غزة. سافر إلى مصر في أبريل 2024، ولا يستطيع العودة، ولا تستطيع هي المغادرة. يصبح الانتظار ذاته شكلًا من أشكال العذاب اليومي.
تختم الكاتبة بأن القادة، بمن فيهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يتحدثون عن اقتراب استكمال المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار، لكن الفلسطينيين لا يرون نتائج ملموسة. يشعرون بالإقصاء عن مفاوضات تتحدث عن مستقبلهم دون مشاركتهم. ورغم كل ذلك، يحاولون خلق شكل هش من السلام داخل حياتهم، ويتمسكون بالأمل، مستشهدين بقول محمود درويش: «نحمل الأمل كمرض، ونشعر بكل شيء بعمق». في هذا الانتظار القاتل، يظل الأمل هو الشيء الوحيد الذي يبقيهم أحياء.

